-
@ Muhammad
2024-09-03 13:24:04تُعرف الفرقة النصيرية في بلاد الشام باسم الطائفة العلوية، إلا أن هذا الاسم ليس هو وحده ما يطلَق عليها، بل يُطلق على هذه الطائفة عدة أسماء؛ منها “النصيرية” و”الخصيبية” و”الجنبلانية”، وهي أسماء قديمة أطلقت نسبة إلى بعض أئمتهم ممن ساهموا مساهمة كبيرة في تأسيس المذهب، فاسم النصيرية نسبة إلى محمد بن نصير العبدي البكري النميري، وهو أقدم وأشهر اسم عُرفوا به عبر التاريخ، وأما اسم الجنبلانية فنسبة إلى محمد بن جندب الجنبلاني، والخصيبية نسبة إلى الحسين بن حمدان الخصيبي، الذي أدخل المذهب إلى الساحل السوري اليوم.
وعرفوا حديثاً باسم “العلويين” الذي يرجع إلى عام 1920م، حيث ساهم الفرنسيون في انتشار هذا الاسم الذي لم يعرف قبل هذا التاريخ، فكل كتب التاريخ تذكرهم باسم النصيرية.
حكاية النشأة!
بدأت نشأة المذهب النصيري في جنوب العراق على يد محمد بن نصير، الذي ولد في البصرة جنوب العراق مطلع القرن الهجري الثالث، ثم سكن سامراء، وخلال مرحلة التأسيس العراقية كانت النصيرية تحتفظ بشيء من الاعتدال الفكري، حيث بقيت تنسب إلى المذاهب الإسلامية لأنها تقر بكثير من الشعائر الإسلامية.
انتقلت النصيرية إلى بلاد الشام، وبالأخص إلى حلب، على يد الخصيبي المصري الذي سكن حلب أيام سيف الدولة، وأخذ يدير أمور وشؤون النصيريين، وهو أهم رجل في تاريخ المذهب حيث استطاع أن يحرف وجهة المذهب بشكل كلي، فألف العديد من الكتب التي عرفت الناس بمذهبهم وعقيدتهم المنحرفة، ومنها كتابي “المجموع” و”راست باش” أي كن مستقيماً، وكتاب “الهداية الكبرى”، واستطاع أن يجعل لنفسه خلفاء في كل من بغداد وحلب، وأسس للنصيرية مراكز فيهما، وتوفي في حلب سنة 346هـ.
ثم انتقلت النصيرية إلى اللاذقية على يد الميمون الطبراني، وهو أيضاً من أهم رجالات المذهب، فقد ألف الكتب وسن القوانين ورتب الأعياد، وله كتاب “مجموع الأعياد” و”الحاوي” و”الدلائل في معرفة المسائل” و”رسالة التوحيد”، وتوفي في اللاذقية سنة 426هـ.
العقيدة والعبادات
يؤمن النصيريون بالثالوث الإلهي، ويزعمون أنهم يتشكلون في علي والنبي محمد ﷺ وصاحبه سلمان الفارسي، ويرمزون لهم بـ”ع م س”، وهؤلاء الثلاثة يؤلفون حسب رأيهم الذات الإلهية، فعلي هو المعنى أي: ذات الله، ومحمد هو الاسم أي: اسم الله في الوجود وانعكاسه في الواقع، وسلمان هو الباب الذي يتم الوصول إلى الله عن طريقه، وبذلك نستطيع أن نقول: إن النصيريين يؤلهون علياً ويعبدونه ويرونه هو الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا. وهذا يشبه بشكل كبير الثالوث المسيحي النصراني “الأب والابن وروح القدس”.
يؤمنون أيضا بعقيدة التجلي الإلهي، فيعتقدون أن الله قد يتجلى في البشر، سواء بصورة الخير أو الشر، فالخير كالإنسان الخيِّر، والشر كالإنسان العاصي، وقد أشاروا في بعض كتبهم إلى أن علياً “الإله” ظهر بصورة شيث ويوسف ويوشع وآصف وشمعون، ثم تجلى في صورة علي.
يعتقد النصيريون بكفر الخلفاء الراشدين وخلفاء الدولة الأموية والمذاهب الأربعة “الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية”، وقد ورد ذلك في قداس الإشارة في كتبهم.
وللنصيريين أساطير في بداية الخلق، تخالف العقيدة الإسلامية، ولا تلتقي معها إلا في بعض التفاصيل الدقيقة. كما تؤمن النصيرية بالتناسخ، وهو انتقال النفوس من جسم إلى جسم، وله تسميات وتفصيلات دقيقة في كتبهم، بحسب الجسم الثاني الذي تنتقل إليه النفس، فقد تنتقل إلى إنسأن أو حيوان أو نبات أو وسخ أو أرض.
ويؤمنون بأن علياً هو من سيجمع الناس ليقوم القيامة، وسيعلن امتلاكه للعالم كله، وسيكون لقبه في يوم الحساب “الدبور”.
وينقسم النصيريون إلى خاصة وعامة، فالخاصة هم حملة المذهب، وتعلم المذهب محصور في عائلات وأفراد معينين وفق شروط معينة، وهذه يسمونها مرتبة “تسليم الدين”، فإن تم قبول فرد لتعلم الدين يرتقي لمرتبة “السماع” ويبدأ بعدها بالاطلاع على أسرار المذهب وتعاليمه.
والنصيرية مذهب باطني، ومن ثم فإنهم يؤمنون بوجود عِلمين في تأويل تعاليم الدين، علم ظاهر وآخر باطن، ومن أمثلة ذلك عندهم اعتبار زواج علي بن أبي طالب أمير المؤمنين من فاطمة وإنجابه منها الحسن والحسين من قبيل علم الظاهر، وأما الباطن فيقول: إن علياً هو الله تعالى الواحد الأحد.
ويؤمنون كذلك بالتقية، وهي إظهار خلاف ما يبطنون من معتقدات، ومن أمثلة ذلك أنهم سجلوا أنفسهم في قضاء عكار اللبناني في سجلات النفوس “سنة” بناء على نصائح بعض مشايخهم في اللاذقية.
ومن أعيادهم عيد غدير خم في 18 من ذي الحجة، وعيدا الفطر والأضحى، وعيد المباهلة في 21 ذي الحجة حيث باهل النبي ﷺ في هذا اليوم أهل نجران بشأن المسيح عليه السلام، ويوم الفراش وفيه نام علي في فراش النبي ﷺ، وعيد عاشوراء الذي استشهد فيه الحسين، ويعظمون عيد الميلاد وعيد الغطاس وعيد البربارة، وعيد النوروز، وغيرها من الأعياد.
ولا يوجد طقوس واضحة للزواج والطلاق في التراث الفكري النصيري، وإن وجد اليوم فهو من مؤثرات الحضارة الإسلامية والمعاصرة، فكتبهم تشير إلى المرأة بنظرة ملؤها الازدراء والتشبيه لها بالحيوانات.
حاضر المذهب النصيري
أدرك السلطان العثماني سليم الأول خطر النصيريين على الدولة العثمانية فأمر بقتالهم، وخاصة بعد فتاوى علماء الدين فيهم لما أبدوه من خيانة للمسلمين على مر التاريخ، وبتحالفهم مع الصليبيين والمغول أثناء غزوهم لبلاد المسلمين، فهرب النصيريون إلى الجبال، ويذكر بعض المؤرخين أن العثمانيين قضوا على تسعة آلاف من مشيخة وزعماء النصيريين في ديار بكر وماردين والأناضول، واستمرت حالهم كذلك طوال فترة الحكم العثماني؛ فلم تقم لهم قائمة، رغم عصيانهم للخليفة في بعض الأحيان.
وفي أيام الانتداب الفرنسي تم استبدال اسم الطائفة من النصيريين إلى العلويين، وانقسم النصيريون بين مؤيد للفرنسيين، ومعارض لهم -كما تذكر بعض الروايات-، مثل صالح العلي الذي واجه الفرنسيين وحلفاءهم من الإسماعيليين في منطقة مصياف والقدموس، إلا أنه تراجع لاحقا عن ذلك بعد أن أقام الفرنسيون لهم كياناً فيدرالياً باسم “دولة العلويين” تضم اللاذقية وطرطوس، حيث أكثر النصيريون آنذاك من الاعتراضات ومن رفض التبعية لدمشق وللدولة السورية، فأعلنت فرنسا استقلال هذا الكيان عام 1925م، ولكنه كان استقلالاً هزيلاً ترعاه فرنسا بانتدابها، ويرفضه المسلمون السنة والمسيحيون الذين كانوا من أصحاب النزعة الوحدوية السورية.
وفي عام 1936م اضطر الفرنسيون إلى ضم الدويلة العلوية إلى سوريا، وذهب وفد من نصيريي سوريا إلى بيروت للاعتراض على هذا القرار، وكان من مطالبهم الحفاظ على الانتداب الفرنسي، وعدم تمكين المسلمين السنة من العلويين والدروز، ولكن الفرنسيين اضطروا تحت ضغط السياسيين في دمشق من الرضوخ للمطالب الدمشقية، حيث هدد الرئيس هاشم الأتاسي والوزراء بالاستقالة والإضراب إن وقّع الفرنسيون على قرار الانفصال عن الدولة السورية.
استقلت سوريا عن الفرنسيين عام 1946، وظل النصيريون يتبعون لدمشق، واستطاعوا الوصول إلى السلطة في دمشق عن طريق حافظ الأسد ابن سليمان الأسد الذي كان عضو الوفد الذي زار بيروت للمطالبة بالانفصال عن سوريا، والذي سلم السلطة -بعد تثبيت السلطة في سوريا على مدى 30 عاماً بين النصيريين- إلى ابنه بشار الأسد، وينتشر النصيريون اليوم في سوريا ولبنان وبعض مناطق جنوب تركيا المحاذية للساحل السوري.
أهم المراجع
- العلويون النصيريون، بحث في العقيدة والتاريخ، أبو موسى الحريري، بيروت، 1984م.
- مدخل إلى المذهب العلوي النصيري، جعفر الكنج الدندشي، المكتبة الوطنية، الأردن، إربد، 2000م.
- مذاهب الإسلاميين، عبد الرحمن بدوي، دار العلم للملايين، بيروت، 1997م.
مقالة بقلم الكاتب عبد اللطيف المحيمد من موقع السبيل